فصل: قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة المائدة: الآيات 33- 34]

{إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)}.
يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يحاربون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ومحاربة المسلمين في حكم محاربته وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسادًا مفسدين، أو لأنّ سعيهم في الأرض لما كان على طريق الفساد نزل منزلة: ويفسدون في الأرض فانتصب فسادا. على المعنى، ويجوز أن يكون مفعولا له، أى للفساد. نزلت في قوم هلال بن عويمر وكان بينه وبين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عهد وقد مرّ بهم قوم يريدون رسول اللَّه فقطعوا عليهم. وقيل: في العرنيين، فأوحى إليه أنّ من جمع بين القتل وأخذ المال قتل وصلب ومن أفرد القتل قتل. ومن أفرد أخذ المال قطعت يده لأخذ المال، ورجله لإخافة السبيل. ومن أفرد الإخافة نفى من الأرض. وقيل: هذا حكم كل قاطع طريق كافرا كان أو مسلما. ومعناه أَنْ يُقَتَّلُوا من غير صلب، إن أفردوا القتل أَوْ يُصَلَّبُوا مع القتل إن جمعوا بين القتل والأخذ. قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما اللَّه، يصلب حيا، ويطعن حتى يموت أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ إن أخذوا المال أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ إذا لم يزيدوا على الإخافة. وعن جماعة منهم الحسن والنخعي: أن الإمام مخير بين هذه العقوبات في كل قاطع طريق من غير تفصيل. والنفي: الحبس عند أبى حنيفة، وعند الشافعي: النفي من بلد إلى بلد، لا يزال يطلب وهو هارب فزعا، وقيل: ينفى من بلده، وكانوا ينفونهم إلى «دهلك» وهو بلد في أقصى تهامة، و«ناصع» وهو بلد من بلاد الحبشة خِزْيٌ ذلّ وفضيحة إِلَّا الَّذِينَ تابُوا استثناء من المعاقبين عقاب قطع الطريق خاصة. وأما حكم القتل والجراح وأخذ المال فإلى الأولياء، إن شاءوا عفوا، وإن شاءوا استوفوا. وعن على رضى اللَّه عنه: أنه الحرث بن بدر جاءه تائبا بعد ما كان يقطع الطريق، فقبل توبته ودرأ عنه العقوبة.

.[سورة المائدة: آية 35]

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)}.
الوسيلة: كل ما يتوسل به أى يتقرّب من قرابة أو صنيعة أو غير ذلك، فاستعيرت لما يتوسل به إلى اللَّه تعالى من فعل الطاعات وترك المعاصي. وأنشد للبيد:
أَرَى النَّاسَ لَا يَدْرُونَ مَا قَدْرُ أمْرِهِمْ ** أَلَا كُلُّ ذّ لُبٍ إلىَ اللَّهِ وَاسِلُ

.[سورة المائدة: الآيات 36- 37]

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (37)}.
لِيَفْتَدُوا بِهِ ليجعلوه فدية لأنفسهم. وهذا تمثيل للزوم العذاب لهم، وأنه لا سبيل لهم إلى النجاة منه بوجه. وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم «يقال للكافر يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبًا أكنت تفتدى به، فيقول: نعم، فيقال له: قد سئلت أيسر من ذلك» و«لو» مع ما في حيزه خبر «أن». فإن قلت: لم وحد الراجع في قوله: {لِيَفْتَدُوا بِهِ} وقد ذكر شيئان؟ قلت: نحو قوله:
فَإنِّى وَقَيَّارٌ بِهَا لَغَرِيبُ

أو على إجراء الضمير مجرى اسم الإشارة، كأنه قيل: ليفتدوا بذلك. ويجوز أن يكون الواو في: {مِثْلَهُ} بمعنى «مع» فيتوحد المرجوع إليه. فإن قلت: فبم ينصب المفعول معه؟ قلت:
بما يستدعيه «لو» من الفعل، لأن التقدير: لو ثبت أن لهم ما في الأرض. قرأ أبو واقد {أن يخرجوا} بضم الياء من أخرج. ويشهد لقراءة العامّة قوله: {بِخارِجِينَ}. وما يروى عن عكرمة أن نافع بن الأزرق قال لابن عباس: يا أعمى البصر أعمى القلب تزعم أن قوما يخرجون من النار وقد قال اللَّه تعالى: {وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها} فقال: ويحك، اقرأ ما فوقها. هذا للكفار.
فمما لفقته المجبرة وليس بأول تكاذيبهم وفراهم. وكفاك بما فيه من مواجهة ابن الأزرق ابن عمّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وهو بين أظهر أعضاده من قريش وأنضاده من بنى عبد المطلب وهو حبر الأمّة وبحرها ومفسرها، بالخطاب الذي لا يجسر على مثله أحد من أهل الدنيا، ويرفعه إلى عكرمة دليلين ناصين أن الحديث فرية ما فيها مرية.

.[سورة المائدة: الآيات 38- 40]

{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)}.
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ رفعهما على الابتداء والخبر محذوف عند سيبويه، كأنه قيل:
وفيما فرض عليكم السارق والسارقة أى حكمهما. ووجه آخر وهو أن يرتفعا بالابتداء، والخبر فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ودخول الفاء لتضمنهما معنى الشرط، لأنّ المعنى: والذي سرق والتي سرقت فاقطعوا أيديهما، والاسم الموصول يضمن معنى الشرط. وقرأ عيسى بن عمر بالنصب، وفضلها سيبويه على قراءة العامة لأجل الأمر لأنّ «زيدًا فاضربه» أحسن من «زيد فاضربه» {أَيْدِيَهُما} يديهما، ونحوه {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما} اكتفى بتثنية المضاف إليه عن تثنية المضاف. وأريد باليدين اليمينان، بدليل قراءة عبد اللَّه: والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم، والسارق في الشريعة: من سرق من الحرز: والمقطع. الرسغ. وعند الخوارج: المنكب. والمقدار الذي يجب به القطع عشرة دراهم عند أبى حنيفة، وعند مالك والشافعي رحمهما اللَّه ربع دينار. وعن الحسن درهم وفي مواعظه: احذر من قطع يدك في درهم جَزاءً ونَكالًا مفعول لهما فَمَنْ تابَ من السرّاق مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ من بعد سرقته وَأَصْلَحَ أمره بالتفصى عن التبعات فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ويسقط عنه عقاب الآخرة. وأمّا القطع فلا تسقطه التوبة عند ابى حنيفة وأصحابه وعند الشافعي في أحد قوليه تسقطه مَنْ يَشاءُ من يجب في الحكمة تعذيبه والمغفرة له من المصرين والتائبين. وقيل: يسقط حدّ الحربي إذا سرق بالتوبة، ليكون أدعى له إلى الإسلام وأبعد من التنفير عنه، ولا يسقطه عن المسلم: لأن في إقامته الصلاح للمؤمنين والحياة {وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ}. فإن قلت: لم قدّم التعذيب على المغفرة؟ قلت: لأنه قوبل بذلك تقدم السرقة على التوبة. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37) وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)}.
ثم أشار إلى مرتبة الناقصين بقوله: {إن الذين كفروا} وخبر «إن» مجموع الجملة الشرطية وهي قوله: {لو أن لهم ما في الأرض جميعًا ومثله معه ليفتدوا به} أي بالمذكور أو الواو بمعنى «مع» والعامل في المفعول معه وهو المثل ما في «إن» من معنى الفعل أي لو ثبت {من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم} والغرض التمثيل وأن العذاب لازم لهم وقد مر مثله في سورة آل عمران. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «يقال للكافر يوم القيامة أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبًا أكنت تفتدي به؟ فيقول: نعم. فيقال له: قد سئلت أيسر من ذلك» {يريدون أن يخرجوا} أي يتمنون الخروج من النار أو يقصدون ذلك. قيل: إذا رفعهم لهب النار إلى فوق فهناك يتمنون الخروج. وقيل: يكادون يخرجون منها لقوتها ورفعها إياهم. عمم المعتزلة هذا الوعيد في الكفار وفي الفساق، وخصصه الأشاعرة بالكفار لدلالة الآية المتقدمة.
ثم إنه تعالى عاد إلى تتميم حكم أخذ المال من غير استحقاق وهو المأخوذ على سبيل الخفية لا المحاربة فقال: {والسارق والسارقة} وهما مرفوعان على الابتداء والخبر محذوف عند سيبويه والأخفش والتقدير فيما فرض أو فيما يتلى عليكم السارق والسارقة أي حكمها. وعند الفراء- وهو اختيار الزجاج- أن الألف واللام فيهما بمعنى الذي والتي وخبرهما: {فاقطعوا} ودخول الفاء لتضمنها معنى الشرط كأنه قيل: الذي سرق والتي سرقت فاقطعوا أيديهما. وقراءة عيسى بن عمر بالنصب وفضلها سيبويه على القراءة المشهورة لأن الإنشاء لا يحسن أن يقع خبرًا إلاّ بتأويل وأما إذا نصبت فإنه يكون من باب الإضمار على شريطة التفسير والفاء يكون مؤذنًا بتلازم ما قبلها وما بعدها مثل: {وربك فكبر} [المدثر: 3] وضعف قول سيبويه بأنه طعن ي قراءة واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجيح للقراءة الشاذة وفيه ما فيه على أن الإضمار الذي ذهب إليه هو خلاف الأصل. والذي مال إليه الفراء أدل على العموم وأوفق لقوله سبحانه: {جزاء بما كسبا} فإنه تصريح بأن المراد من الكلام الأول هو الشرط والجزاء. أما البحث المعنوي في الآية فإن كثيرًا من الأصوليين زعموا أنها مجملة لأنه لم يبين نصاب السرقة وذكر الأيدي وبالإجماع لا يجب قطع اليدين، ولأن اليد تقع على الأصابع بدليل أن من حلف لا يلمس فلانًا بيده فلمسه بأصابعه فإنه يحنث، وتقع على الأصابع مع الكف وعلى الأصابع والكف والساعدين إلى المرفقين وعلى كل ذلك إلى المنكبين. وأيضًا الخطاب في: {فاقطعوا} إما لإمام الزمان كما هو مذهب الأكثرين أو لمجموع الأمة أو لطائفة مخصوصة فثبت بهذه الوجوه أن الآية مجملة. وقال المحققون: مقتضى الآية ولاسيما في تقدير الفراء عموم القطع بعموم السرقة إلاّ أن السنة خصصته بالنصاب. أو نقول: إن أهل اللغة لا يقولون لمن أخذ حبة بر إنه سارق. والمراد بالأيدي اليدان مثل: {فقد صغت قلوبكما} [التحريم: 4] وقد انعقد الإجماع على أنه لا يجب قطعهما معًا ولا الابتداء باليسرى.
واليد اسم موضوع لهذا العضو إلى المنكب ولهذا قيد في قوله: {وأيديكم إلى المرافق} [المائدة: 6] وقد ذهب الخوارج إلى وجوب قطع اليدين إلى المنكبين لظاهر الآية إلاّ أن السنة خصصته بالكوع. والحاصل أن الآية عامة لكنها خصصت بدلائل منفصلة فتبقى حجة في الباقي، وهذا أولى من جعلها مجملة غير مفيدة أصلًا. ثم إن جمهور الصحابة والفقهاء ذهبوا إلى أن القطع لا يجب إلاّ عند شروط كالنصاب والحرز، وخالف ابن عباس وابن الزبير والحسن وداود الأصفهاني والخوارج تمسكًا بعموم الآية، ولأن مقادير القلة والكثرة غير مضبوطة، فالذي يستقله الملك يستكثره الفقير. وقد قال الشافعي: لو قال لفلان عليّ مال عظيم ثم فسره بالحبة يقبل لاحتمال أن يريد أنه عظيم في الحل أو عظيم عنده لشدة فقره.
ولما طعنت الملحدة في الشريعة بأن اليد كيف ينبغي أن تقطع في قليل مع أن قيمتها خمسمائة دينار من الذهب، أجيب عنه بأن ذلك عقوبة من الشارع له على دناءته. وإذا كان هذا الجواب مقبولًا من الكل فليكن مقبولًا منا في إيجاب القطع على القليل والكثير. وأيضًا اختلاف المجتهدين في قدر النصاب كما يجيء يدل على أن الأخبار المخصصة عندهم متعارضة فوجب الرجوع إلى ظاهر القرآن.
ودعوى الإجماع على أن القطع مخصوص بمقدار معين غير مسموعة لخلاف بعض الصحابة والتابعين كما قلنا.
واعلم أن الكلام في السرقة يتعلق بأطراف المسروق ونفس السرقة والسارق. وأما المسروق فمن شروطه عند الأكثرين أن يكون نصابًا. ثم قال الشافعي: إنه ربع دينار من الذهب الخالص وما سواه يقوم به وهو مذهب الإمامية لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا قطع إلاّ في ربع دينار» وقال أبو حنيفة: النصاب عشرة دراهم لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا قطع إلا في ثمن المجن» والظاهر أن ثمن المجن لا يكون أقل من عشرة دراهم، وقال مالك: ربع دينار أو ثلاثة دراهم. وعن أحمد روايتان كالشافعي وكمالك. وقال ابن أبي ليلى: خمسة دراهم. وعن الحسن: درهم. وفي مواعظه: «احذر من قطع يدك في درهم». ومنها أن يكون المسروق ملك غير السارق لدى الإخراج من الحرز. فلو سرق مال نفسه من يد غيره كيد المرتهن والمستأجر أو اطرأ ملكه في المسروق قل إخراجه من الحرز بأن ورثه السارق أو اتهبه وهو فيه سقط القطع. ومنها أن يكون محترمًا لا كخمر وخنزير. ومنها أن يكون الملك تامًا قويًا. والمراد بالتمام أن لا يكون السارق فيه شركة أو حق كمال بيت المال، وبالقوّة أن لا يكون ضعيفًا كالمستولدة والوقف. ومنها كون المال خارجًا عن شبهة استحقاق السارق، فلو سرق رب الدين من مال المديون فإن أخذه لا على قصد استيفاء الحق أو على قصده والمديون غير جاحد ولا مماطل قطع، وإن أخذه على قصد استيفاء الحق وهو جاحد أو مماطل فلا يقطع سواء أخذ من جنس حقه أو لا من جنسه. وإذا سرق أحد الزوجين من مال الآخر وكان المال محرزًا عنه فعند أبي حنيفة لا يجب القطع. وعند الشافعي ومالك وأحمد يجب. ومنها كون المال محرزًا لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة جبل فإذا آواه المراح أو الجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن» وحرز كل شيء على حسب حاله. فالإصطبل حرز الدواب وإن كانت نفيسة وليس حرزًا للثياب والنقود.